Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
BOOOMTV7
25 décembre 2006

فضيلة الشيخ الدكتور خالد القريشي (الأستاذ المشارك

فضيلة الشيخ الدكتور خالد القريشي (الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فحديث هذه المقالة هو ما رواه الإمامان البخاري ومسلم – رحمهما الله - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رسول الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. وفي رواية أخرى للبخاري: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ قَالَ: «كُلُّ ذاكَ يَأْتِينِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ وَيَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُول». وهذا الحديث فيه من الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى شرح وبيان ما يأتي: لفظة «صلصلة» وهي: صوت الأشياء الصلبة إذا وقع بعضها على بعض، وقيل هو الصوت المتدارك الذي لا يفهم أول وهلة. ولفظة «الجرس» وهي: الجلجل الذي يعلق في رأس الدواب، أو صطل في داخله قطعة نحاس معلق منكوساً. وأما جملة «فيفصم عني»: أي يُقلع. وجملة - «ليتفصد عرقاً»: أي جرى عرقه كما يجري الدم من الفصاد. أخي القارئ: ومن هذا الحديث نخرج بمجموعة من الفوائد والدروس الدعوية، نلخصها في الآتي: أولاً: اهتمام السلف الصالح بتعليم أقاربهم وأهل بيتهم: لقد كان سلفنا الصالح y مثالاً عظيماً في الدعوة إلى الله تعالىونشر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس وخاصة بين أقاربهم وأهل بيتهم، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهـا، تحدث بهذا الحديث وغيره لابن أختها عروة بن الزبير رضي الله عنهـما، فقد كان ملازماً لها، يقول الإمام الذهبي - رحمه الله -: (حدث - عروة بن الزبير - عن خالته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهـا، ولازمها وتفقه بها). وأيضاً نجد في هذا الحديث أن عروة –رحمه الله– وعى هذا الدرس جيداً، وهو الاهتمام بالأقارب والأهل بالدعوة والتعليم، فحرص على تعليم ابنه هشام -رحمه الله- هذا الحديث. لذا ننبه كل مسلم إلى الاهتمام والعناية بالأهل والأقارب في الدعوة والتعليم، فالله تعالى، يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وأنذر عشيرتك الأقربين}. (الذين هم أقرب الناس إليك، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس. كما إذا أُمِرَ الإنسان بعموم الإحسان، ثم قيل له: أحسن إلى قرابتك. فيكون هذا الخصوص، دالاً على التأكيد، وزيادة الحث. فامتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الإلهي، فدعا سائر بطون قريش، فعمم وخصص، وذكرهم ووعظهم، ولم يُبقِ عليه الصلاة والسلام من مقدوره شيئاً من نصحهم وهدايتهم، إلا فعله، فاهتدى من اهتدى، وأعرض من أعرض). الأمر الثاني الذي نستفيده من هذا الحديث: أهمية أسلوب السؤال والجواب في تحصيل العلم ونشره: يقول العلامة العيني - رحمه الله تعالى- عند شرحه لهذا الحديث: (فيه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألونه عن كثير من المعاني وكان عليه الصلاة والسلام يجمعهم ويعلمهم، وكانت طائفة تسأل وأخرى تحفظ وتؤدي وتبلغ حتى أكمل الله تعالى دينه) أهـ. ومن هنا يظهر أهمية هذا الأسلوب في الكشف عن كثير من المعاني والعلوم وذلك عن طريق تسليط الضوء عليها بالسؤال عنها. ومن السؤال لرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نخرج بفوائد تتعلق بهذا الأسلوب، منها: أولاً – أنه ينبغي للداعية إجابة من سأله عن أمر من أمور الدين. ثانياً - جواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره مما يخفى. ثالثاً - أن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لايقدح في اليقين. رابعاً - أن المسؤول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضي التفصيل وذلك يستفاد من قوله:«أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ..». الفائدة الثالثة التي نستفيدها من هذا الحديث: أسلوب ضرب المثل لتقريب المعاني و إيصالها للـذهـن: لقد ضرب الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام الأمثال للناس، وذلك لما للمثل في الكلام من مكانة هامة ووظيفة لاتنكر، إذ أنه له تأثير عجيب في الآذان، وتقرير غريب لمعانيها في الأذهان. يقول الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- عن ضرب الأمثال إنها: (لتقريب المراد، وتفهيم المعنى، وإيصاله إلى ذهن السامع، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثل به، فقد يكون أقرب إلى تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره، فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه الأنس التام، وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير. ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق، أمر لا يجحده أحد ولا ينكره، وكلما ظهرت لها الأمثال ازداد المعنى ظهوراً ووضوحاً، فالأمثال شواهد المعنى المراد، ومزكية له، فهي كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، وهي خاصة العقل ولبه وثمرته) أ هـ. وفي هذا الحديث يستخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب، الذي قال عنه العلامة الكرماني –رحمه الله-: (إنه عليه الصلاة والسلام كان معتنياً بالبلاغة مكاشفاً بالعلوم الغيبية وكان يوفر على الأمة حصتهم بقدر الاستعداد فإذا أراد أن ينبئهم بما لا عهد لهم به من تلك العلوم صاغ لها أمثلة من عالم الشهادة ليعرفوا بما شاهدوه مالم يشاهدوه، فلما سأله الصحابي رضي الله عنه عن كيفية الوحي، وكان ذلك من المسائل العويصة ضرب لها في الشاهد مثلاً بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيهاً على أن إتيانها يرد على القلب في لبسة الجلال فيأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلوب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له بالقول مع وجود ذلك، فإذا كشف عنه وجد القول المنزل بيناً فيُلقى في الروع واقعاً موقع المسموع وهذا معنى قوله: «فيفصم عني وقد وعيت ..») أهـ. الرابع من الفقه الدعوي الذي نستفيده من هذا الحديث: ضرورة تحلي الداعية بالصبر: إن الصبر من أعظم صفات الداعية التي لا يستغني عنها في دعوته للناس واختلاطه بهم، فهو لابد أن يلاقي من بعضهم الصدود والإعراض، إن لم يلاق الأذى والعذاب والاضطهاد، فبالصبر يمضي في دعوته ولا يبالي بما يلاقيه في سبيلها من مشقة وصعاب. يقول الإمام الخطابي - رحمه الله تعالى- عند شرحه لهذا الحديث: (وجملة الأمر فيما كان يناله من الكرب عند نزول الوحي هي شدة الامتحان له ليبلو صبره ويحسن تأديبه، فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة، وحسن الاضطلاع للنهوض به إن شاء الله تعالى) أهـ. فالداعية العالم - وريث الأنبياء في أخلاقهم وعلمهم ودعوتهم - لزاماً عليه أن يتحلى بالصبر ويتخلق به لكي تنجح دعوته، وتسير في مواجهة الصعاب والأعباء التي لا بد أن تلاقي كل من سار في هذا الطريق ومشى فيه. الخامس من الفقه الدعوي في هذا الحديث:أهمية كون الداعية من جنس المدعوين ويشابهم في اللغة واللباس وغيرها من الأمور: إن مما يساعد على تقبل المدعوين للداعية، والأنس به، وما يأتي به، أن يكون منهم، ويتكلم بلغتهم، ويلبس لباسهم، ويمارس عاداتهم - بشرط أن لا تخالف أيٌّ من هذه الأمور الشريعةَ، يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليُبيِّن لهم}. وفي هذا الحديث ما يدل على أهمية هذا الأمر، حيث يقول الإمام الكرماني -رحمه الله- عن أنواع الوحي في هذا الحديث : ( النوع الأول أشد عليه من النوع الثاني، وذلك لأن الفهم من كلام مثل صلصلة الجرس أشكل من الفهم من كلام الرجل المتكلم على الطريقة المعهودة عند التخاطب، أو لأن سنة الله تعالىلما جرت من أنه لابد من مناسبة بين القائل والسامع حتى يصح بينهما التحاور والتعليم والتعلم، فتلك المناسبة إما باتصاف السامع بوصف القائل لغلبة الروحانية عليه، وهو النوع الأول، أو باتصاف القائل بوصف السامع، وهو النوع الثاني، والدليل عليه تمثله رجلاً كما أن الدليل على الأول كونه قسيماً له، ثم لاشك أن الأول أشد، وقد تبين وجه الحصر فيهما من هذا التقدير ) أهـ . لذا ينبغي للمسؤولين عن الدعوة وإعداد الدعاة، أن يهتموا بكون الدعاة من أهل البلاد التي تكون فيها الدعوة،حتى لا ينفروا منهم، ويبتعدوا عنهم، أو على أقل تقدير لا يأنسوا بهم مما يُضعف نتائج الدعوة المرجوة فيهم. السادس من الفقه الدعوي في هذا الحديث : أهمية تفريغ المدعو من الشواغل قبل البدء بدعوته: يقول الإمام النووي - رحمه الله تعالى- عند شرحه لهذا الحديث: (قال العلماء: والحكمة في ذلك -أي شدة الوحي وقوة صوته- أن يتفرغ سمعه صلى الله عله وسلم ولا يبقى فيه، ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك) أهـ . فمن هنا ينبغي التأكيد على أهمية احتياط الداعية بتنبيه المدعوين وإحضار قلوبهم وصرف الشواغل عنها، وذلك يكون برفع الصوت، أو إسكات الناس، أوصرف الشواغل الأخرى – كزخرفة المساجد، أو أن يكون حاقناً ( وهو الحابس لبوله ) وغيره من الشواغل - فإن هذا الأمر مما يساعد الداعية بشكل كبير على التأثير في المدعوين، وإيصال الرسالة إليهم. السابع من الفقه الدعوي في هذا الحديث – هو اهتمام أم المؤمنين عائشةtا بملاحظة أحوال النبي r وبيانها للأمة: فإنه يظهر من خلال هذا الحديث مكانة أمِّ المؤمنين عائشةَرضي الله عنهـا - في ملاحظتها لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثَمَّ نَقلُ هذه الأحوال والعلوم إلى الأمة - إذ تقول في هذا الحديث : ( وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا ) . هذا وقد روت عائشة رضي الله عنهـا، أحاديث كثيرة حتى عُدت من المكثرين الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وذلك كله منها طلباً للفائدة منه، ولتسير على هديه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم لتُفيد الآخرين وتفوز بشرف الدعوة لهذا الدين. فما أحرى وأجدى بالنساء المسلمات إلى أن يقتدين بهذه السيدة الجليلة في الاهتمام بالدعوة والتعليم ، وأن يشغلن أوقاتهن بما ينفع في الدنيا والآخرة، وأن يصبحن شموعاً تضيء البيوت، وكل مكان يحللن فيه . هذا والله تعالىأعلم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين ..................................................................................................................................................

الكتمان والخصوصية في الدعوة
وعي الأمن في التربية الإسلام

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، فسلم علينا، فبعثني في حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جاءت قالت: ما حبسك؟ (أي ما أخرك؟) فقلتك بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا
وقال العباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله: إني أرى هذا الرجل (يعني عمر بن الخطاب) يقدمك على الأشياخ (يعني كبار الصحابة) فاحفظ عني خمسا: لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تعصين له أمرا، ولا يطلعن منك على خيانة
وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، وهكذا كا، أجدادنا الأوائل يعلمون أولادهم المحافظة على السر، وهي من ألزم الأمور لسلامة الأمة وأمنها
والواقع أن المدرسة الإسلامية عنيت بالأمن والمحافظة على الأسرار، أشد العناية ووضعت لهما المبادئ والأصول والأساليب، وأثبت تاريخ صدر الإسلام أن من أسباب انتصار المسلمين على أعدائهم الكثيرين أن أسرار النبي صلى الله عليه وسلم، وأسرار المسلمين كانت مصونة وبعيدة عن متناول الأعداء، في الوقت الذي كان النبي صلوات الله وسلامه عليه يطلع على نيات أعدائه العدوانية عن طريق عيونه وأرصاده (رجال مخابراته) قبل وقت مبكر، فيعمل من جانبه على إحباط ما يبيتونه للإسلام من غدر وخيانة ودسائس
كذلك لم يستطع المشركون وأعداء الإسلام أن يباغتوا قوات النبي صلى الله عليه وسلم في الزمان والمكان وأسلوب القتال، بينما استطاع صلوات الله وسلامه عليه أن يباغت أعداءه في معظم غزواته وسراياه
كذلك لم يرد في تاريخ صدر الإسلام حوادث خيانة أو تخابر مع العدو إلا في حادثة حاطب بن أبي بلتعة في فتح مكة وهي حادثة واحدة واعتذر منها صاحبها
كل ذلك من منهج الإسلام في تربية المسلمين على الأمن والمحافظة على الأسرار، ومن المبادئ المعروفة أن الأمة التي تكتم أسرارها هي الأمة التي يمكن أن تنتصر، والأمة التي لا تكتم أسرارها هي الأمة التي لا يمكن أن تنتصر، وما يقال عن الأمة يقال عن الأفراد لأ، الأمة تتكون من أفراد.
واللسان الذي هو نعمة من نعم الله على عباده، يستطيعون بها التعبير عن آرائهم وتبادل المنافع مع الناس، هو وسيلة للخير والسعادة في الدنيا والآخرة إذا أحسن استعماله، كما أنه سبب قوي للشر والشقاء في الدارين إذا أسيء استعماله، فهو سلاح ذو حدين يمكن به النفع ويمكن به الضر
والقرآن الكريم ينبئ بأن كل لفظ من الإنسان مسجل عليه، فيقول الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق 18) فالكلمة أمانة عظمى لها مكانتها في الإسلام، وتقدير أمرها والتدبر فيها قبل التلفظ بها مرتبط بالإيمان كما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)
ويقول الله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة احتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} (إبراهيم 24- 26)
والمراد بالكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل دعوة الإسلام، وقيل: كل كلمة حسنة.. والمراد بالكلمة الخبيثة: كلمة الكفر أو الدعوة إليه أو الكذب، أو كل كلمة لا يرضاها الله تعالى
وإفشاء الأسرار التي تعود على الأفراد والأمم بالأضرار من الكلام الذي لا يرضاه الله تعالى، وكذلك كل كلام فيه سعي بالفساد مندرج تحت الكلمة الخبيثة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - ما يظن أن يبلغ ما بلغته- فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن ليتكلم بالكلمة من سخط الله - ما يظن أن يبلغ ما بلغته- فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه)
وعن شعبان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: (قل ربي الله ثم استقم) قال: قلت يا رسول الله، وأخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: (هذا)

دراسات دعوية

رصيد الداعية

خالد أبو الفتوح

يعتقد بعض الشباب المتحمسين أنه يكـفي لإقناع الآخرين بصحة دعوتهم أن تكون الحجة جليّة واضحة وأن يكون البيان فصيحاً بلـيـغاً، ولكنهم ـ مع حرصهم على إتقان ذلك ـ قد يُفاجؤون بعدم استجابة مدعويهم، فـيـلـقــون التـبعة من على أكتافهم ظانين أنهم أدوا ما عليهم و((ما على الرسول إلا البلاغ)) و((ليس عـلـيك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء))، ثم يحمّلون من كانوا محلاً لدعوتهم المسؤولية كـامـلـة لعدم استجابتهم للهدى؛ ((بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم، فمن يهدي من أضل الله؟))، أو يسندون سبب إخفاقهم إلى محض المشيئة الإلهية ((ولو شاء الله لجمعهم على الهـدى)) ((ولـو شــاء الله لآمـــن من في الأرض كلهم جميعاً)).

ولا شـك أنـــه لا يخرج شيء عن المشيئة الإلهية، وأن الذين لم يستجيبوا لوضوح الحجة وبلاغة البيان لـيـسـوا بمـنـجـى عــن الـمـحـاسـبـة والسؤال، ولكن لا شك أيضاً أن هؤلاء المتحمسين الطيبين لم يلتفتوا إلى غاية الدعوة التي لا تقـتـصـر فـقــط عـلـى إقـامة الحجة لاستحقاق الجزاء، بل تهدف بالمقام الأول إلى إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب الـعـبـاد، وإنـقـاذهم من غضب الله (تعالى) وناره إلى رضاه وجنته؛ قال -صلى الله عـلـيـه وسلم-: إن مثلي ومـثــل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاء ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن الـنـار وهم يقـتـحـمــون فيها(1)، وهذا المعنى هو ما وصف به الله (سبحانه) رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث يقول (عز وجل): ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم))[التوبة: 128].

وغالباً ما يكون دافع هؤلاء المتحمسين هو الإخـــلاص ومحـبــة رؤيـــة الخير منتشراً بين الناس، ولكن.. هل يكفي هذا الدافع للتنصل من المشاركة في مسؤولية الإخفاق؟

إن المدقق في عناصر (عملية الدعوة) يخرج ـ ولابد ـ بأن قيام أمر الدعـــوة لا يقـتـصر على إيـضــــاح حجة وبلاغة بيان، فهما ـ بالرغم من أهميتهما ـ يشتركان جنباً إلى جنب مــع عناصر أخرى عديدة لإنجاح حجية البلاغ من قِبَل الداعي.

ومن هذه العناصر ما يمكن أن نطلق عليه: (رصيد الداعي) لدى المدعو، ونعني بذلك: رصيده من الثقة ـ في أمانته وعلمه ـ والطمأنينة إليه، ليكون هذا الرصيد مُوَطّئاً لاستجابة المدعو إذا أراد الله له الهداية، أو أبلغ في استحقاق النقمة إذا انتكس وأبى إلا الغواية.

وهناك إشـــارات عديدة في الكتاب والسنة إلى هذا العنصر الهام في (عملية الدعوة)؛ فمن ذلك:

*ما جاء في قصة نبي الله يوسف:

((ودخل معه السجن فتيان، قال أحدهما: إني أراني أعصر خمرا، وقال الآخر:إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه، نبئنا بتأويله إنا نراك من المحـسـنـيـن* قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي،إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون))[يوسف: 3637]، فالـمـلاحــظ فـي الآية الأولى: أن الفتيين أقبلا على يوسف (عليه السلام) وهما في حالة تسليم بأمانته وإذعــــان لعـلـمــــه، ولكن هذا التسليم وذلك الإذعان لم ينشأ من العدم، بل كانا نتيجة ما رأوه من إحسان يوســف عليهم؛ ((إنا نراك من المحسنين))، وإذا تنبهنا إلى أن هذين الفتيين كانا على ملة الكـفــر لأدركنا أن الإحسان المقصود عندهم ليس هو الإحسان بالمصطلح الشرعي، ولكنه إحسان بالمعنى الذي تعارف عليه جميع الناس ـ وهو فعل ما اتفقت العقول السديدة والفطر السليمة أنــــه حسن ـ، ويلزم لنا أن نتخيل ما هي حياة السجون حتى نعرف قيمة الإحسان إلى الآخرين فيها، سواءً أكان إسداء جميل، أو بذل نصيحة، أو اهتمام عام بأمر الآخرين في مثل هذه المحنة(2).

وبعبارة أخرى نسـتـطـيـع الـقـول: إنه للوصول إلى هذه الثقة وهذا التسليم والإذعان، فقد حدثت (عملية تفاعل اجتماعي إيـجابي) بين يوسف (عليه السلام) والمسجونين الآخرين، وذلك من خلال شبكة اجتماعية مـصـغــرة كـونـهـــا يوسف (عليه السلام) مستغلاً قنوات الاتصال المتاحة والرابطة الاجتماعية الواقعية رابطة إحساس السجين بالقهر.

وفي الآية الثانية: نلاحظ أن يوسف (عليه السلام) استثمر الموقف استثماراً كاملاً، وقطف الثمرة في أوانها؛ فإنه لما رأى إتيانهما إليه واثقين فيه مسلّمين بأمانته مذعنين لعلمه، أكد عليهما ما وقر في نفوسهما بأنه أهل لهذه الثقة ومـحـــل لهذا العلم ـ مما يؤكد أهمية هذا العنصر في الدعوة ـ، ثم أسند كل هذا الفضل إلى ربه، وبدأ عرض دعوته في وضوح وجلاء ويسر وسهولة.

*وما جاء في قصة موسى (عليه السلام) مع القبطي والإسرائيلي:

حيث يقول الله (عز وجل): ((فلما أراد أن يبطش بالذي هــــو عدو لهما، قال: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس؟، إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين.))[القصص: 19]، فاحتجاج القبطي بعدم ملاءمة هذا السلوك ـ من موسى (عليه السلام) ـ مع دعوى الإصلاح يدل على أن موســى (عليه السلام) كان معروفاً عنه أنه صاحب دعوة إصلاحية قبل نبوته؛ يقول الأستاذ سـيـــد قطب (رحمه الله): أما بقية عبارته ((إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض، وما تريد أن تكون من المصلحين)).. فتلهم أن موسى كان قد اتخذ له في الحياة مسلكاً يُعرف به أنه رجـــــل صالح مصلح، لا يحب البغي والتجبر، فهذا القبطي يذكره بهذا ويورّي به، ويتهمه بأنــــــه يخالف عما عــــرف عنه، يريد أن يكون جباراً لا مصلحاً، يقتل الناس بدلاً من إصلاح ذات الـبـيــن وتهدئــة ثائرة الشر(3) ولعل هذا المسلك كان تمهيداً للدعوة الكبرى التي جاء بها موسى (عليه السلام) بعد إرساله بالنبوة.

*وفي قصة نبي الله صالح (عليه الصلاة والسلام):

يقول الله (سـبـحـانـــه) حاكياً عن قوم صالح: ((قالوا: يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا...))(هود: 62)، جـــــاء في محاسن التأويل: ... أي: كانت تلوح فيك مخايل الخير وأمارات الرشد، فكنا نرجوك لننتفع بك وتكون مشاوَراً في الأمور، ومسترشداً في التدابير، فلما نطقت بهذا القول انـقـطـــــع رجاؤنا عنك وعلمنا أن لا خير فيك(4). وهذا من أبلغ التناقض في منطق الكافرين، إذ إن اعترافهم بأن صاحب الدعوة هو الذي كان يُعد للخير والرشد فيهم ـ لما ظهر عليه من أمـــــارات ذلك ـ كان يقتضي تسليم قيادهم له وإذعانهم لدعوته، ولكنهم ارتكسوا وكفروا به وبدعوته.

*وفي سيرة المصطفى ص أوضح الدلالات على أهمية (رصيد الداعية):

حيث يقول الله (سبحانه): ((قل لو شـــــاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمراً من قبله، أفلا تعقلون؟!))[يونس: 16]، ففي قوله ((أفلا تعقلون)) توبيخ شديد لهم وتسفيه لعقولهم؛ لأنهم لم يلتفتوا إلى قــــوة الحـجـة الملزمة لهم، وذلك أنهم شهدوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يوجب تصديقه والإيـمــان به، ولم يكن ذلك عن موقف واحد أو أكثر، بل كان على امتداد عمره -صلى الله عليه وسلم- ممـــا يكون أبلغ وأوكد في الإلزام بالحجة؛ يقول ابن القيم (رحمه الله): ... الحجة الثانية [في الآية]: أنـي قــد لـبـثـت فـيـكـم عمري إلى حين أتيتكم به، وأنتم تشاهدونني، وتعرفون حالـي، وتصحبونني حضراً وسفراً، وتعرفون دقيق أمري وجليله، وتتحققون سيرتي... ثم جئتكم بهذا النبأ العظيم الذي فيه علم الأولين والآخرين، وعلم ما كان وما سيكون على التفصيل، فأي برهان أوضح من هذا؟!(5).

وقد استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هـــــــذا الـرصـيد لديهم، وأكد عليه، بل استنطقهم به، وذلك عندما جهر بالدعوة إليهم كافة، فـقــد قـــــال لهم -صلى الله عليه وسلم- ـ بعد أن اجتمعت بطون قريش على جبل الصفا إثر دعوته لهم بالحضور ـ: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديـــد(6)، فقد أبى -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوهم إلى الدعوة الجديدة عليهم قبل أن يستخرج منهم رصيد الثقة فيه.

وهذا الهدي النبوي من نور الوحي القرآني؛ حيث كان إيذان التحرك العلني بالدعوة هو قوله (تعالى): ((وأنذر عشيرتك الأقربين))[الشعراء: 214]، فإن (العشيرة الأقربين) أدعى إلى الثقة فيمن هم يعرفون سيرته ويخبرون طويته لما بينه وبينهم من صلة القربى والنسب، ولا شك أنه لابد لبناء هذا الرصيد من كمال في المحاسن وسلامة من النقــائــص وحـضـور ومتابعة في الواقع، وتتراكم آثار كل ذلك لصنع هذا الرصيد لدى المدعوين، وهذا ما تشهد به سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

*وهذا ما نشاهده في قصة الصحابي نعيم ابن النحام:

حيث رُوي أنه حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي، فقالوا له: أقم عندنا وأنت على دينك، ونحن نمنعك ممن يريد أذاك، واكفنا ما كنت تكفينا ـ وكان يقوم بأيتام بني عدي وأراملهم ـ، فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد ذلك(7)، فنعيم (رضي الله عنه) كان له من أعمال الخير لدى قومه ما جعله أحد المكونات الرئيسة لنسيج مجتمعه، بحيث يتهتك هذا النسيج إذا تخلى عن أفراد مجتمعه، فلا يستطيع هؤلاء الاستغناء عنه، مع استطاعته هو تركهم والهجرة عنهم، أو استغلال هذه المكانة وهذا الرصيد في الدعوة لما يؤمن به دون أن يكون عنصراً بنّاءً لدعوى الجاهلية في المجتمع الذي يعيش فيه.

*معالم أخرى:

هــــذا.. وقـــد يستدعي الداعية ما تركه دعاة آخرون من رصيد محفور في أذهان المدعوين الجدد مستفيداً مــن ظلال المواقف الناصعة والدعوة الواضحة لهؤلاء الدعاة، معتبراً نفسه امتداداً طبيعيّاً لهم ـ وإن باعـــدت بينهم السنون والأيام ـ؛ وذلك كما فعل ونطق مؤمن آل فرعون: ((ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات، فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قـلـتم لن يبعث الله من بعده رسولا، كذلك يضـل الله من هو مسرف مرتاب))[ غافر: 34]، فلـقــد اقتبس مؤمن آل فرعون الذكرى الطيبة ليوسـف (عليه السلام)؛ ذكرى العفة والعلم والأمانة والكفاءة، مذكّراً إياهم بوضوح سابق دعوته، فلقد جاءهم (بالبينات) ليربط بينه وبين صاحب الدعوة المعاصر لهم ـ موسى (عليه السلام) ـ الذي ((جاءكم بالبينات من ربكم))[غافر: 28]، كما أوضح المؤمن لهم من قبل، فهو يربط بين الداعيين ـ نسباً ودعوة ـ لتكون محصلة الدفع النهائية في أقوى صورها.

فعلى ذلك يستطـيع المسلم توظيف (الرصيد الإيجابي الجمعي للدعوة) في دعوته الآخرين، كما يحسن له أن يشارك في بناء رصيد الثقة لدى آخرين ـ قـد لا يستطيع دعوتهم ـ ليأتي مسلم آخر فيستثمر هذا الرصيد مباشرة حين تحين فرصة الدعوة.

وكما أنه قد يُستدعى رصيد الدعوة لصالح داعية ما، فإنه قـد يـبـدده أفـــراد منتسبون إلى الدعوة، وذلك بسوء سلوكهم الشخصي أو الدعوي أو عدم اتباعهم للحكمة في الدعوة، كما يحدث ـ أحياناً ـ في واقعنا المعاصر، فعلى المسلم الواعي أن يحرص ألا يكون معول هدم لما شيده الآخرون إذا لم يستطع أن يكون لبنة في صرح الدعوة المباركة.

الهوامش :

(1)أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.

(2)لك أن تتأمل قوله (تعالى): ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم))[فصلت: 34]، لتعرف أثر الإحسان إلى الآخرين في كسب حبهم وولائهم.

(3)في ظلال القرآن، م5، ص2684.

(4)محاسن التأويل للشيخ محمد جمال الدين القاسمي، جـ9، ص145.

(5)بدائع التفسير، جمع يسري السيد محمد، جـ2، ص395.

(6)أخرجه البخاري ومسلم وأحمد، وانظر الرحيق المختوم، ص79، ط. مكتبة السلام.

(7)انظر المغني لابن قدامة المقدسي، جـ2، ص868.

مجلة البيان / عدد87

كتمان الأسرار من الحذر والفطنة
وينبه الإسلام إلى اليقظة والحذر كما في قوله تعاللى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} وكما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( المؤمن كيِّس فَطِن) فاليقظة والحذر والوعي والفطنة كلها تدفع إلى كتمان الأسرار التي جعلها الله أمانة من الآمانات التي يجب على المسلمين أن يحافظوا عليها كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} (الأنفال 27)
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) وقال أيضا: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)، وقال: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهو أمانة). وقال: (إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة، ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره) وقال: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)
الصمت
والصمت من أكبر أسباب الوقاية من إفشاء الأسرار (الوقاية خير من العلاج) والإسلام يرشد إلى الصمت ويدعو المسلمين إليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). (طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه، وأنفق الفضل من ماله). وغير ذلك من الأحاديث التي تدعو إلى التمسك بهذه القيم الإسلامية
دروس علمية من هدي النبي

والدروس العلمية التي يستطيع المسلمون أن يتعلموها من النبي صلى الله عليه وسلم في مجال السرية والأمن أكثر من أن تحصى
فلقد كان من أسباب نجاح الدعوة الإسلامية أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بدأ سرا ولما شاهد علي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هو وخديجة رضي الله عنها، قال: يا محمد ما هذا؟ قال: دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله. فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له وإلى عبادته وأن تكفر باللات والعزى.. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به من قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب (أي أباه)
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن يفشي سر الدين قبل أن يستعلن أمره فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم. فامتثل علي للأمر، حتى جاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الصباح التالي وأعلن إسلامه وكتم ذلك عن أبيه ولم يظهره
وقد أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله المشهور: (ليس كل ما يُعلم يقال، ولا كل ما يقال حضر أهله، ولا كل ما حضر أهله حان وقته)
وهجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة من أعظم الدروس في السرية والأمن والكتمان حتى بلغ المدينة بسلام
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى )
ومن الأمثلة العلمية في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد تأديب بني لحيان، الذين غدروا بدعاة المسلمين - وكان هؤلاء الدعاة ستة من كبار الصحابة- أظهر أنه يريد الشام. وتحرك فعلا بقواته شمالا، فلما اطمأن إلى انتشار أخبار تحركه إلى الشمال باتجاه الشام، عاد راجعا باتجاه مكة مسرعا في حركته حتى بلغ منازل بني لحيان
وفي غزوة الخندق جاء نعيم بن مسعود الغطفاني (وكانت غطفان من القبائل التي انضمت إلى قريس للقضاء على المسلمين) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه أسلم ولا يعلم قومه، وطلب منه أن يأمره بما يشاء، فقال الرسول: (إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة)
فقام نعيم بمهمته خير قيام، ونجح في التفريق بين القوى الثلاث التي تجمعت لقتال المسلمين (قريش، والقبائل العربية ومنها قبيلته غطفان، ويهود بني قريظة)، وكان مما ساعد على نجاح مهمته مراعاة الأمن والسرية
لقد كتم النبي صلى الله عليه وسلم إسلام نعيم، وكتم نعيم إسلامه، فلم يعرف قومه ولا بنو قريظة ولا قريش عن إسلامه شيئا، فلو لم يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ السرية والأمن، ولم لم يطبقه نعيم، فهل كان بإمكان نعيم أن يقوم بهذا الدور الحاسم في تفرقة صفوف الأحزاب ونزع الثقة من نفوسهم؟
وقد ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم (الرسالة المكتومة) مراعاة للسِّرِّية والأمن، وحرمان أعداء المسلمين من الحصول على المعلومات التي تفيدهم عن تحركات المسلمين وأهدافهم، فقد بعث صلوات الله وسلامه عليه سَرِيَّة من المهاجرين، قوامها اثنا عشر رجلا بقيادة عبد الله بن جحش الأسدي في مهمة استطلاعية في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة، وسلمه رسالة (مكتومة) تحتوي على تفاصيل المهمة من حيث الهدف منها ومكانها وغير ذلك من التعليمات، وأمره ألا يفتحها إلا بعد أن يسير يومين
وتعتبر غزوة فتح مكة من أروع الأمثلة التاريخية في مجال السرية والأمن والكتمان: إن أقرب المقربين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحبه أبو بكر الصديق، أول من أمن به كما أن عائشة بنت الصديق أبي بكر كانت أحب نسائه إليه (فقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قالوا: إنما نعنى من الرجال، قال: أبوها) ومع ذلك كانت عائشة لا تفشي لأبيها شيئا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر الصديق وابنته عائشة لا يعلمان من أسرار غزوة الفتح إلا قليلا
ولقد احتوت غزوة الفتح على الكثير من إجراءات الأمن التي كان لها أكبر الأثر في تحقيق المفاجأة الكاملة وفتح مكة بلا قتال
http://forum.aljayyash.net/9/

القوة التي لا تغلب

قال الطالب لأستاذه المربي: خبرني عن أعظم قوة عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، لا شك أنك تعتقد مثلي أنها قوة الصاروخ والقنبلة الذرية؟
قال الأستاذ المعلم: مهلاً أيها الفتى الطالب، لا تسألني وتعجل بالجواب قبلي.
قال الطالب: معذرة يا أستاذي، إني أريد أن أسمع منك.
قال الأستاذ: دعني أسألك سؤالاً آخر: أيهما أعظم قوة: القنبلة والصاروخ أم الذي صنع القنبلة وأطلق الصاروخ؟
قال الفتى: لا شك أن صانع القنبلة ومطلق الصاروخ أقوى منهما!!
قال الأستاذ: إذن فأنت معي، أن قوة الإنسان أعظم من كل قوة مادية في الأرض.
قال الطالب: نعم. فالإنسان هو الذي يسخر المادة لمنفعته، ويوجهها لما يريد.
قال الأستاذ المربي: فإذا وجدت قوة توجه الإنسان وتدفعه إلى الأمام، وتحفزه إلى العمل الدائب، وتقذف به كالقنبلة، أو أقوى، وتطلقه كالصاروخ، أو أشد؟
قال الطالب في عجلة: إنها لا شك تكون أعظم قوة عرفها الإنسان في هذه الأرض، فما هي هذه القوة؟ وما حقيقتها؟ لقد شوقتني إليها بحديثك عنها!!
قال الأستاذ المربي: إنها يا بني قوة الإيمان.
قال الفتى الطالب: الإيمان بأي شيء؟ فإن بعض الناس يجعلون الإيمان بأي مبدأ هو الإيمان.
قال الأستاذ: لا أنكر أن مطلق الإيمان بأي معتقد كان يعطي صاحبه قوة وصلابة، كما يظهر ذلك في الصراع بين الأفراد والجماعات، فالفرد الذي يؤمن بعقيدة ما ينتصر على الفارغ الذي لا عقيدة له، والجماعة التي ترتكز حياتها على إيمان ما - ولو لم تكن له أسس مفهومة - تنتصر في النهاية على الجماعة الخاوية من الاعتقاد. ولكن الإيمان الذي أعنيه هو الإيمان بالله واهب الحياة، وخالق الكون والإنسان. الإيمان بالجزاء والخلود في حياة باقية توفى فيها كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون، الإيمان بعالم فسيح غير منظور، مليء بجند الله لا يحصى لهم عدد، إنهم الملائكة المقربون. الإيمان بالوحي الإلهي، وهو الصلة التي تربط السماء بالأرض، ومظهر هداية الخالق للخلق، الإيمان بالنماذج الإنسانية العليا، أولئك هم النبيون الذي أنزل الله عليهم وحيه، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
الإيمان بأن الكون لا يسير جزافاً ولا تمضي حوادثه بغير هدى ولا تقدير، بل كل شيء فيه بقدر، وكل صغير وكبير مستطر.
الإيمان بكرامة الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض واستعمره فيها، وابتلاه بالتكليف في دار الدنيا، ليصهره ويعده للخلود في الدار الآخرة.
ذلك يا بني هو الإيمان الذي دعا إليه النبيون والمرسلون، وجاهد في سبيله الصديقون والشهداء والصالحون، وهو المعنى الفذ الذي نريده من كلمة " الإيمان " إنه الإيمان كما جاء به الإسلام . . . واسترسل الأستاذ يتحدث والطالب الفتى يصغي إليه في شوق ولهفة: هذا الإيمان يا بني، قوة دافعة موجهة: قوة تسند الضعيف أن يسقط، وتمسك القوي أن يجمح، وتعصم الغالب أن يطغى، وتمنع المغلوب أن ييأس وينهار!
قال الطالب الفتى: لكنك يا أستاذي حدثتنا من قبل أن في الإنسان قوة أخرى عاتية شديدة العتو والجبروت، تلك هي قوة الغرائز، كغريزة حب البقاء، وغريزة الشهوة الجنسية، وغريزة الغضب والمقاتلة.
قال الأستاذ الشيخ: أجل يا بني. أنا لم أنس حديثي هذا، ولا أنكر أن للغرائز البشرية سطوتها وقوتها، ولكنها بجوار الإيمان تفقد سيطرتها وتنحل عقدتها، وتنحني مطواعة لقوة الإيمان، فالإيمان هو السيد الآمر المطاع، والغرائز هي الخادمة المنقادة له، المسخرة بأمره. أتريد أن أضرب لك مثلاً من التاريخ.
قال الطالب: نعم. فقد حفظنا عنك " بالمثال يتضح المقال ".
قال الأستاذ: هل أتاك حديث سيدنا يوسف الصديق، لابد أنك سمعت قصته في سورة يوسف في القرآن الكريم. إنها قصة شاب مؤمن أخضع غريزته لإيمانه، فخلّد الله ذكره، وسجل قصته لتكون هدى ونبراساً للآخرين.
يوسف شاب في ريعان الشباب ومقتبل العمر، أوتي من الشباب والجمال حظاً كبيراً، وامتلأ فتوة ونضرة ونشاطاً، وقدر القدر له أن يبتلى بالخدمة في بيت امرأة عزيز مصر، ولكن شبابه وجماله أغرى به المرأة التي هو في بيتها، فراودته عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت: هيت لك! كان الموقف دقيقاً ولا ريب، فإن الفتنة التي عرضت ليوسف لم تكن من الفتن التي تعرض للمرء ساعة في حياته ثم تزول، إنما هي فتنة تصابحه وتماسيه، وتراوحه وتغاديه، لم تكن فتنة امرأة من بنات الليل وبائعات الهوى، بل كانت فتنة امرأة ذات منصب وجمال وحلية ومقدرة، وهي سيدة البيت، وامرأة العزيز، وهو: غلام شُرِي بثمن بخس دراهم معدودة، لا يعرف له أهل ولا بيت، مجرد خادم في بيتها، من شأنه أن يؤمر فيأتمر . . فماذا صنع الفتى يوسف أمام هذا الإغراء وأمام هذه الفتنة؟
قال الفتى الطالب لأستاذه: هذا والله يا أستاذ موقف صعب وامتحان رهيب لإيمان يوسف.
قال الأستاذ: أجل كان الامتحان عسيراً ولكنه انتهى بنجاح يوسف، كان صوت الغريزة القوي يدعوه أن يهم بها دعا المرأة أن تهم به، ولكن صوت الإيمان في ضميره كان أقوى، لقد زجرها بهذه الكلمات الواعية حين قال:
( ما عاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) (يوسف: 23).
ولقد حاولت المرأة مرة أخرى أن تمكر به وتجبره على قبول رغبتها الآثمة أمام نسوتها قائلة:
( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ) (يوسف: 32).
وكان يوسف بين محنتين. أن يمتحن في دينه فيقع في الفاحشة والإثم المبين، أو يمتحن في دنياه وحريته فيسجن ويكون من الصاغرين.
قال الطالب في لهفة: فماذا اختار يوسف؟!..
قال الأستاذ: لقد هداه منطق الإيمان أن يؤثر سلامة دينه على سلامة دنياه. فدعا ربه كما
حدثنا القرآن قائلا: ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) (يوسف: 33).
قال الطالب لأستاذه: وماذا حدث ليوسف بعد ذلك؟
قال الأستاذ: استجاب له ربه فصرف عنه كيدهن، وسلم له دينه الذي حرص عليه، أما دنياه فلم تسلم، فقد سجنوه ظلماً ولبث في السجن بضع سنين. بيد أن ظلمة السجن لم تُطفئ النور الذي في قلبه، ولم تُنسه أنه مؤمن صاحب رسالة، فظل في الجن يدعو إلى توحيد الله، وينفر رفقاءه في السجن من الوثنية المخرفة، وينتهز الفرصة لذلك كلما سنحت، كما قال للفتيين اللذين سألاه في تأويل حلم أو تفسير رؤيا، فأنبأهما بعض ما علمه الله من الغيب ثم قال:
( ذلكما مما علمني ربي، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون. يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (يوسف: 37، 38، 39، 40).
قال الطالب: وماذا كانت عاقبة هذا السجين المؤمن؟
قال الأستاذ: إن العاقبة يا بني دائماً للمؤمنين المتقين. هذه سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولا تحويلاً. لقد احتاج القوم إليه احتياج الجاهل إلى العالم، والمريض إلى الطبيب، والملاح التائه إلى النجم الهادي. فلم يجدوا بداً من أن يذهبوا إليه صاغرين، ويطلقوا سراحه، وهو يأبى أن يخرج من السجن إلا بعد أن تظهر براءة صفحته أولاً .. وخرج من السجن نقي الذيل، مرفوع الرأس، ناصع الجبين
( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) (يوسف: 54، 55، 56).
وأصبح سجين مصر بالأمس عزيزها اليوم والمتصرف في مالياتها وتموينها إبان أزمة ومجاعة اجتاحت مصر وما جاورها من الأقطار.
وكان هذا المنصب امتحاناً آخر لإيمان يوسف، فإن الإنسان يمتحن بالنعمة كما يمتحن بالمصيبة.
قال الطالب: وكيف يمتحن بالنعمة والامتحان إنما هو ابتلاء؟
قال الأستاذ: أما سمعت
قول الله عز وجل: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) (الأنبياء: 35) إن بعض الناس قد يملك نفسه عند الشدة فيصبر ولا يجزع فإذا امتحن بالنعمة بطر واستكبر وركبه الغرور، ولكن يوسف الذي صار عزيزاً، لم يتغير عن يوسف الذي كان سجيناً.
إنه ملك الدنيا ولكنها لم تملكه. وسيطر على خزائن مصر ولكنها لم تسيطر على قلبه. لقد كان إذا وضع أمامه الطعام أكل منه لقيمات تقيم الأود ولا يشبع. فلما سئل عن ذلك قال: أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقراء!
ومرة أخرى ظهر إيمان يوسف الصديق حين تمكن من إخوته لأبيه أولئك الذين أرادوا أن يقتلوه ليخلو لهم وجه أبيهم. ثم ألقوه في غيابة الجب، ثم باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وعرضوه للذل والعبودية.
لقد جاءوا مصر من فلسطين يطلبون المدد والزاد، وقدر يوسف على الانتقام منهم، ولكنه عفا وغفر وقال:
( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين ) (يوسف: 92).
وبعد أن تمهدت ليوسف الوزارة والرئاسة، وقرت عينه بوصول أبويه وأخواته، تطلعت نفسه التواقة إلى ما هو أعز من الوزارة وأبقى من الملك: إلى رضوان الله تعالى، والسعادة بلقائه في دار الخلود. فتوجه إلى الله بدعائه المأثور
( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) (يوسف: 101).
ذلك يا بني نموذج من نماذج الإيمان القوي، فيه أسوة للشباب، وعبرة لأولي الألباب وحجة على الجاحدين، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.

لم لا نفكر..؟!
دعوة إلى المزيد من المنهجية

بعيداً عن الرتابة والتقليد

أحمد بن عبد الرحمن الصويان

إن طرق المعرفة البشرية أياً كان نوعها متعددة، وهذه الطرق تؤثر غالباً على صحة المعلومة أو بطلانها، وبقدر ما تنضبط هذه الـطـــرق بالـمنهج العلمي يكون القرب من صحة المعلومة ودقتها، والقدرة على التفكير الصحيح هي الطـريـق الأمثل للنمو والنضج، فالفكر هو حياة الإنسان وبه يتميز عن بقية الكائنات، وهو: »الذي يـنـقـــل مــن مـــــوت الفطنة إلى حياة اليقظة«(1).

ومن أخطر العوامل المؤثرة سلباً على طريقة التفكير والتحليل بناء الـمـعـــارف العلمية على الـعـــادة والأعراف التي ينشأ عليها الإنسان، فهو يعتقد صحة المسألة لكثرة تـكـــرارهـــا وتداولهـــا في بيئته التي نشأ فيها، فهي معارف مبنية على التقليد والاقتباس وليس على التفكير والتدبر، فهو لا يستطيع أن يتجاوز الموروث الاجتماعي أو الفكري.

وبعض الـمـوروثـــات الاجتماعية أو الفكرية أو الدعوية قد تكون صحيحة لا غبار عليها، لكنها تكتسب صـحـتـهــــا عند قوم لأن الدليل الشرعي قد دل عليها وعند آخرين لأنها موروثات ألفوها وأخذوها عن آبائهم وأشياخهم، وشتان بين المنهجين!.

وكثيراً ما نعتقد صحة فــكــــرة مــــا من الأفكار وتصبح لدينا مسلمة من المسلمات لا تقبل المناقشة، حتى إذا خرجنا إلى بيئة أخرى واطلعنا على معارف جديدة، واكتسبنا خبرات إضافية، تبين لنا بطلان ما كنا نؤمن به، وقديماً كان يقال: »لا يعرف الإنسان خطأ شيخه حتى يجلس عند شيوخ آخرين«.

إن الشعور بالسلامة المطلقة للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، واعتقاد ه بكمالها وخلوها من الأمراض، يقوده إلى التبعية وحبس الـعـقــــل عن التدبر والتأمل، وسوف يؤدي ذلك إلى الضمور والتآكل، وأما الإحساس بضرورة الـنـمـــو والتحسين وليس بالضرورة الخطأ فإنه يقوده إلى الإبداع والتجديد وتطوير الطاقات، فالتـفـكـيــــر المبدع هو الذي يحول الركود والرتابة والتلقائية إلى حركة حية منتجة تتطلع دائماً إلى المزيد، وكما قال الفضل: »التفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك«(2)، وقال ابن القيم: »الـتـفـكـــر والتذكر بذار العلم، وسقيه مطارحته، ومذاكرته تلقيحه«(3).

إن التفكير الصحيح وسيلة من وسائل الانعتاق من آسار العادة والاتـكـــال عـلــى تفكير الآخرين، وكسر لطوق الرتابة والاجترار الذي يتربى عليه الناس كابراً عن كابر، ولهذا تضمنت دعوات الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام دعوة للتفكر والنظر، والتخلص من إرث الآباء والأجداد، قال الله تعالى: ((قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة)[سبأ: 46].

والتأثر بالعادة أو البيئة له أشكال متعددة، منها التأثر بالبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها المرء، أو التأثر بالتجمع الحزبي الذي ينتمي إليه.. ونحو ذلك.

أذكر أنني قبل سنوات كنت في زيارة لأحد الإخوة الدارسين في بريطانيا فرأيته يساهم في توزيع بيان لتأييد الثورة الإيرانية، فقلت له: هل أنت مؤمن بما جاء في هذا البيان؟! فقال: لا، ولكن..! فقلت: ولكن بهذا أمرت.. فاحمر وجهه خجلاً، وسكت..!!

تعجبتُ كثيراً من هذا الموقف، وعلمت أن التربية الحزبية أفضل طريقة لوأد العقول وإماتة البصائر، هذه التربية التي تبنى على ضرورة التسليم والانقياد، دون النظر والتفكير، ومن قلد عالماً لقي الله سالماً، ومثل هذا الموقف له نصيب وافر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: »من نصر قومه على غير الحق، فهو كالبعير الذي ردي، فهو ينزع بذنبه«(4).

لقد نجحت التربية الحزبية في صناعة الببغاوات والقطعان الهائمة التي لا تـجـيد إلا فن التصفيق والإشادة واجترار الشعارات، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في بناء العقول الحـيـــة المبصرة، القادرة على بناء المواقف وصناعة الأحداث وأخزى الله التبعية العمياء الصماء كم قتلت من الطاقات، وسحقت من الشخصيات..!!

ومــــن العـوامـــل المؤثرة أيضاً على طريقة التفكير أن معرفتنا للحق تتأثر بأقوال الرجال وشهرتهم، فنحن نحاكي الرجال في أقوالهم واعتقاداتهم لمجرد إمامتهم وشهرتهم، حتى إن عقل الإنسان ينغلق ويصبح وقفاً على ذلك الشيخ حتى لا يرى حقاً إلا ما جاء عن إمامه الذي آمن بقدراته وإمكاناته، فهو يقبل ويرفض، ويصدق ويكذب، ويأخذ ويعطي، بناء على قول الشيخ وتوجيهه بدون النظر إلى الحجة أو البرهان، وبدون أن يكون له حظ من التعقل أو التفكير وما مثل هذا الإنسان إلا: »كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيها أفعى تلدغه وهو لا يدري«(5).

ومن طرائف المقلدة ما نقله الماوردي حيث قال: »ولقد رأيت من هذه الطبقة رجلاً يناظر في مجلس حفل، وقد استدل عليه الخصم بدلالة صحيحة فكان جوابه عنها أن قال: إن هذه دلالة فاسدة ووجه فسادها أن شيخي لم يذكرها، وما لم يذكره الشيخ لا خير فيه! فأمسك عنه المستدل متعجباً!!«(6).

وشدة إعجابنا بإمام من الأئمة تجعلنا في بعض الأحيان نتحرج من سؤاله عن الحجة هذا إذا فكرنا في السؤال! وأذكر في مناقشة لأطروحة علمية أن الباحث تبنى مسألة واستدل لها بقول لشيخ الإسلام ابن تيمية، فسأله الأستاذ المناقش: وما حجة ابن تيمية؟! فكأن الباحث ارتبك ولم يخطر بباله هذا السؤال، ولم يفكر فيه على الإطلاق؟!

قال محمد بن عـبــد الله بن الـحـكم: »ما رأت عيني قط مثل الشافعي، لقد قدمت المدينة فرأيت أصحاب عبد الملك الـمـاجشــــون يعلــون بصاحبهم، يقولون: صاحبنا الذي قطع الشافعي، فقلت: إني لأحب أن أنظر إلى رجل قـطــع الشافعي، قال: فلقيت عبد الملك، فسألته عن مسألة، فأجابني، فقلت: أي شيء الحجة؟ قال: لأن مالكاً قال كذا وكذا..! فقلت في نفسي: هيهات أسألك عن الحجة، فتقول: قــال معلـمـي، وإنما الحجة عليك وعلى معلمك!«(7).

ولهذا قال ابن تيمية: »معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر«(8).

وما أجمل قول أبي يوسف: »لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا«(9).

(3)

إن الخطاب الإسلامي ليس خطاباً وعظياً مجرداً، وإنما هو في أصله خطاب برهاني يعتمد على البيان التفصيلي الدقيق للحجج والبراهين، وبخاصة في القضايــا الكـلـيـة للاعتقاد، فأسـاسه قول الله تعالى: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))[البقرة: 111]، وقـولــــه تعالى: ((ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين(([الأحقاف: 4].

وتتوالى النصوص الشرعية للتأكيد على ضرورة التعقل والتدبر والنظر في ملكوت السموات والأرض، وتسـتـحـث العقل البشري على ضرورة البحث والمراجعة والتأمل، وتنعى على المقلدة منهجهم، وتذمهم على جمودهم وعجزهم وقصورهم، قال الله تعالى: ((أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور(([الحج: 46].

ويأتي اليوم الذي يتحـســـر فيه أولئك القوم ويندمون على منهاجهم وطريقتهم، قال الله تعالى: ((وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير))[الملك: 10]، وقال تعالى: ((وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا(([الأحزاب: 67].

وحينما زعم بعض الفلاسفة أن الطريقة القرآنية طريقة خطابية، رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع عديــدة، منها قوله: »وليس الأمر كما يتوهمه الجهال الضلال، من الكفار المتفلسفة وبعض المتـكـلـمـــة، من كون القرآن جاء بالطريقة الخطابية، وعري عن البرهانية أو اشتمل على قليل مـنـهــــا، بل جمـيـــع ما اشتمل عليه القرآن هو الطريقة البرهانية، وتكون تارة خطابية، وتارة جدلية مع كونها برهانية.

والأقيسة التي اشـتمل عليها القرآن هي الغاية في دعــــوة الخـلق إلى الله... ولهذا اشتمل القرآن على خلاصة الطرق الصحيحة التي توجد في كـــــــلام جميع العقلاء، من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم، ونزهه الله عما يوجد في كلامهم من الطــــرق الفاسدة، ويوجد فيه من الطرق الصحيحة ما لا يوجد في كلام البشر بحال«(9).

إن الصـحوة الإسـلامية بحاجة ماسـة إلى العقول الناضجة المستنيرة القادرة على التفكير والإبداع، وعلى المربي أن يستشعر أهمية ذلك فيحيي هذه الملكة في نفوس أتباعه، فلأن يقود أسوداً متوثبة يقظة، خير له وأنفع من أن يقود قطيعاً من الخرفان التي لا تعي ولا تدرك، ولن يقوى المربي على ذلك إلا إذا كان أسداً، فهل من أسود؟!

تأمل حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يقول على المنبر: »إذا أصبتُ فأعينوني، وإذا أخـطـــأت فقوموني«، فقال له رجل من بين الناس: »إذا أخطأت قومناك بسيوفنا..!«، عمر بن الخطاب لا يرضى بتعبيد الناس للناس ومصـادرة عقولهم، وتغييبهم عن الساحة، بل يطالبهم بالمشاركة والناس لا يرضون بالتبعية والعجز، وهكذا تبنى الأمم.

وأكاد أجزم بـــأن من الأسباب الرئيسة للتخلف الفكري والمنهجي الذي تمر به الصحوة الإسلامية هو أنـنـــا جعـلـنــا التفكير ورسم الخطط مهمة آحاد من الناس أما البقية فهم متفرجون، لا يتجاوز دورهم تكثير السواد..!

وإن تحرير العقول من العبودية للأحزاب، ومن الذوبان في أقــــوال الشيوخ، مطلب رئيس للنهوض بالعمل الإسلامي مـــن الرتابة والاجترار والدوران حـــول الذات، ولعل من أبرز مقومات نجاح العمل الإسلامي أن تسـتـحـــث تلك الطاقـــات الكامنة الخاملة، إلى النظر والتأمل، وفق الأسس والموازين الشرعية، فلأن تفكر الأمة بمائة عقل خير لها وأنفع من أن تفكر بعقل واحد..!!

الهوامش:

(1)ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/181.

(2)المرجع السابق 1/180.

(3)المرجع نفسه 1/183.

(4)أخرجه أبو داود 5/341 بسند صحيح.

(5)من كلام الشافعي نقله ابن القيم في إعلام الموقعين 2/200.

(6)أدب الدنيا والدين، ص 78.

(7)مناقب الشافعي للبيهقي 1/208.

(8)درء تعارض العقل والنقل 5/204.

(9)إعلام الموقعين 2/200.

(10)مجموع الفتاوى 2/4647، وانظر: 14/62 و437.

أكثر من 150 موقع للصور ......
--------------------------------------------------------------------------------
نبـــــــــــــــدأ بسم الله

1/ http://www.animationfactory.com/
2/ http://www.harrythecat.com/graphics/
3/ http://www.geocities.com/photocity1/
4/ http://members.tripod.com/smilecwm/cgi-bin/s/
5/ http://www.picture.com/
6/ http://www.snooker.8m.net/BACK_GROUND.htm
7/ http://www.flashkit.com/gallery/index.shtml
8/ http://bestanimations.com/
9/ http://www.majdi33.f2s.com/sor_zkarf/sor_zkarf.html
10/ http://www.freefoto.com/index.asp
11/ http://hammer.prohosting.com/~steal...tframeindex.htm
12/ http://bemine.com/cardsite/
13/ http://asafeer.net/backg/index.htm
14/ http://www.webshots.com/
15/ http://ramah.8k.com/wallpapers/wallpapers.htm
16/ http://www.digitalblasphemy.com/userg/
17/ http://www.animationcity.net/animcity.htm
18/ http://mrsal.com/arabic/
19/ http://www.gifs.net/animate/animate.htm
20/ http://www.freebackgrounds.com/plaza.htm
21/ http://konouz.net/img/banco/animado/
22/ http://www.cliparttop100.com/
23/ http://www.crestonbc.com/backgrounds
24/ http://www.hd.org/Damon/photos
25/ http://www.billybear4kids.com/desktop/dt-holiday.htm
26/ http://nssdc.gsfc.nasa.gov/photo_gallery/
27/ http://www.birdphotography.com/
28/ http://www.clubphoto.com/gallery/
29/ http://www.uazone.net/go/gallery.cg...at=all&ac=index
30/ http://www.cybermaze.com/graphics/photo2b.html
31/ http://phuket-photos.com/
32/ http://www.naturepix.com/galleries.asp
33/ http://www.barbadosphotogallery.com/
34/ http://www.stanford.edu/~petelat1/
35/ http://www.comet-track.com/hb/hb.html
36/ http://www.thkphoto.com/fs_gallery.html
37/ http://www.photocritique.net/
38/ http://www.steehouwer.com/
39/ http://www.photomann.com/turkey/index.htm
40/ http://www.photo.net/gallery/
41/ http://www.moshar.com/animation_T.htm
42/ http://www.rayig.com/links/CHMAIN.HTM
43/ http://www.freefoto.com/pictures/na...ummer/index.asp
44/ http://hammer.prohosting.com/~steal...tframeindex.htm

صور متحــــــــــــــــــــــــــــركه

45/ http://www.free-graphics.com/
46/ http://gifs123.tripod.com/
47/ http://pluto.spaceports.com/~alex126/
48/ http://www.animationlibrary.com/
49/ http://www.animationcity.net/animcity.htm
50/ http://www.clipartْXْXْXْXْXْX.com/
51/ http://www.cksinfo.com/
52/ http://www.graphxkingdom.com/
53/ http://www.free-icons.com/index.shtml
54/ http://www.coolarchive.com/
55/ http://bestanimations.com/Animals/Animals.html
56/ http://www.animationfactory.com/
57/ http://www.gifs.net/animate/animate.htm
58/ http://www.cliparttop100.com/
......................................................................................................................................................................................
خلفيـــــــــــــــــــــــــــــــات

59/ http://www.desktopdelights.com/wallpaper/flowers.html
60/ http://www.artistic-designers.com/bkgds/floralsets.html
61/ http://www.bycarel.com/bbyc/index.html
62/ http://www.freebackgrounds.com/
63/ http://www.abcgiant.com/
64/ http://www.majdi33.f2s.com/sor_zkarf/sor_zkarf.html
65/ http://www.free-graphics.com/
66/ http://gifs123.tripod.com/
67/ http://pluto.spaceports.com/~alex126
68/ http://www.omnific.net/cygnus-graphics
69/ http://www.co3graphics.com/
70/ http://www.allfreeclipart.com/
71/ http://www.clip-art.com/
72/ http://www.xtutorials.com/
73/ http://www.free-search.com/afil
74/ http://www.cksinfo.com/
75/ http://www.graphxkingdom.com/
76/ http://www.screamdesign.com/
77/ http://www.animationcity.net/
78/ http://www.animationlibrary.com/
79/ http://www.coolarchive.com/
80/ http://www.desktopdelights.com/
81/ http://www.graphicbrewer.net/
82/ http://www.jasc.com/
83/ http://www.geocities.com/SoHo/8103
84/ http://www.pixelwarehouse.com/
85/ http://www.harrythecat.com/
86/ http://www.artistic-designers.com/bkgds
87/ http://www.bycarel.com/bbyc/index.html
88/ http://www.freebackgrounds.com/
89/ http://www.windyweb.com/design/gallery/backgrounds.htm
90/ http://www.wendysbackgrounds.com/
91/ http://www.geocities.com/~lollydolly/graphics.html
92/ http://angelfire.lycos.com/doc/backgrounds2.html
93/ http://www.free-backgroungs.com/
94/ http://www.abcgiant.com/
95/ http://www.geocities.com/photocity1/
96/ http://members.tripod.com/smilecwm/cgi-bin/s/
97/ http://www.picture.com/
98/ http://www.snooker.8m.net/BACK_GROUND.htm
99/ http://www.flashkit.com/gallery/index.shtml
100/ http://bestanimations.com/
101/ http://www.majdi33.f2s.com/sor_zkarf/sor_zkarf.html
102/ http://www.freefoto.com/index.asp
103/ http://hammer.prohosting.com/~steal...tframeindex.htm
104/ http://bemine.com/cardsite/
105/ http://asafeer.net/backg/index.htm
106/ http://www.webshots.com/
107/ http://ramah.8k.com/wallpapers/wallpapers.htm
108/ http://www.digitalblasphemy.com/userg/
109/ http://www.animationcity.net/animcity.htm
110/ http://mrsal.com/arabic/
111/ http://www.gifs.net/animate/animate.htm
112/ http://www.freebackgrounds.com/plaza.htm
113/ http://konouz.net/img/banco/animado/
114/ http://www.cliparttop100.com/
115/ http://www.crestonbc.com/backgrounds
116/ http://www.hd.org/Damon/photos
117/ http://www.billybear4kids.com/desktop/dt-holiday.htm
/gallery/
118/ http://nssdc.gsfc.nasa.gov/photo_gallery/
119/ http://www.birdphotography.com/
120/ http://www.clubphoto.com/gallery/
121/ http://www.uazone.net/go/gallery.cg...at=all&ac=index
122/ http://www.cybermaze.com/graphics/photo2b.html
123/ http://phuket-photos.com/
124/ http://www.naturepix.com/galleries.asp
125/ http://www.barbadosphotogallery.com/
126/ http://www.stanford.edu/~petelat1/
127/ http://www.comet-track.com/hb/hb.html
128/ http://www.thkphoto.com/fs_gallery.html
129/ http://www.photocritique.net/
130/ http://www.steehouwer.com/
131/ http://www.photomann.com/turkey/index.htm
132/ http://hammer.prohosting.com/~steal...tframeindex.htm
133/ http://www.moshar.com/animation_T.htm
134/ http://www.rayig.com/links/CHMAIN.HTM
135/ http://www.freefoto.com/pictures/na...ummer/index.asp
136/ http://www.free-graphics.com/
137/ http://gifs123.tripod.com/
138/ http://pluto.spaceports.com/~alex126/
139/ http://www.animationlibrary.com/
140/ http://www.animationcity.net/animcity.htm
141/ http://www.clipartْXْXْXْXْXْX.com/
142/ http://www.cksinfo.com/
143/ http://www.graphxkingdom.com/
144/ http://www.free-icons.com/index.shtml
145/ http://www.coolarchive.com/
146/ http://bestanimations.com/Animals/Animals.html
147/ http://www.animationfactory.com/
148/ http://www.gifs.net/animate/animate.htm
149/ http://www.cliparttop100.com/
150/ http://www.desktopdelights.com/wallpaper/flowers.html
151/ http://www.artistic-designers.com/bkgds/floralsets.html
152/ http://www.bycarel.com/bbyc/index.html
153/ http://www.freebackgrounds.com/
154/ http://www.abcgiant.com/
155/ http://www.majdi33.f2s.com/sor_zkarf/sor_zkarf.html
156/ http://www.free-graphics.com/
157/ http://gifs123.tripod.com/
158/ http://pluto.spaceports.com/~alex126
159/ http://www.omnific.net/cygnus-graphics
....................................................................................................................................................................................

ابداع الحسين الميلس

http://www.emanwords.com/vb/index.phphttp:/                       /www.gwafi.com/vb/forumdisplay.php?f=15

Publicité
Publicité
Commentaires
BOOOMTV7
Publicité
Publicité